في مطلع السنة الحالية احتفلت إحدى أعظم مدن العالم، وهي واقعة على هضبة تهب عليها نسائم منعشة وتخترقها أنهر تولد الطاقة الكهربائية بعيد ميلادها ال
450.وعندما نزل الراقصون وفرق موسيقى السامبا إلى الشوارع وأضاءت الألعاب النارية المساء كانت ساو باولو تحتفل بأشياء كثيرة، ليس أقلها حجمها الهائل فهي في العام 2001م أزاحت بسكانها البالغ عددهم 18.3مليون نسمة، مكسيكو سيتي كثاني أكبر مدينة في العالم بعد طوكيو حسب إحصاءات الأمم المتحدة.
ويمثل ذلك أعظم انفجار سكاني في تاريخ البشرية إذا أخذنا بالاعتبار أن العدد كان 65.000نسمة في العام 1890م كما ذكر معهد فرناند بروديل وهو بنك معلومات محلي.
ويوجد في ساو باولو وهي أكبر مدينة صناعية في أمريكا الجنوبية، خمسة ملايين سيارة وعشرة آلاف حافلة للنقليات العامة و 450طائرة هليكوبتر - وهذا ثاني أكبر أسطول هليكوبترات في العالم بعد أسطول نيويورك - تملأ "الشوارع الجوية". أما الدراجات النارية البالغ عددها 400ألف دراجة يلقب سائقوها باسم "أولاد المواتر" فتخلف ما معدله ثلاثة قتلى يومياً في شوارعها المائة ألف.
ساو باولو مدينة غنية، يشكل سكانها عشرة في المائة من مجموع البرازيليين ال 180مليوناً، وهي تمثل 30في المائة من الإنتاج التصنيعي في البلاد. ومدخول الفرد البالغ تسعة آلاف - سنوياً، هو ضعف المعدل الوطني العام.
تقول ثريا كرار، مديرة قسم في فندق "يونيك" الذي يعد تحفة معمارية: "ساو باولو تعني العمل. هذه مدينة يعمل فيها الناس طيلة النهار يذهبون إلى المدرسة في الليل".
ولكن ساو باولو مدينة فقيرة أيضاً. فثمة مليون ومائة ألف شخص يعيشون في 2018"فافيلا" رسمية، أي مدينة أكواخ مصنوعة من الكرتون وأسلاك التوضيب. ويعيش 400ألف شخص أيضاً في 1684حياً تتألف من منازل الاسمنت الصغيرة. وقد حدثت اضطرابات في المدينة في شهر تموز الماضي عندما غزا مئات من النازحين الأبنية غير المشغولة.
الخياطة ماريا داس دوريس هاجرت إلى هنا من ولاية ساو باولو الغربية وهي تقيم في منزل مؤلف من غرفة واحدة في مدينة أكواخ سيوداد تيرادنتيس ضمن حزام الأكواخ المحيط بالوسط الغني والمظهر للمدينة.
وتقول ماريا: أخشى ما تخشاه هي الجريمة - وقد وقعت 4.141جريمة في المدينة في السنة الماضية، مقابل 596في مدينة نيويورك - وقد رأت سبعة جرائم قتل في الشوارع بأم عينيها.
وأكثر ما تشكو منه ماريا هي رحلاتها بالباص لتسلم إنتاجها للزبائن. وقد لا يبدو ثمن تذكرة ركوب الحافلة ( 60سنتاً) كبيرا، ولكنها تقول إنه مبلغ ضخم مقابل الجلوس لمدة ساعتين في علبة صفيح لا يوجد فيها حمام.
ومع ذلك، تشدد ماريا أنها لا تنوي العودة إلى مسقط رأسها وتعتبر ساو باولو أعظم مدينة في العالم.
ويغلب على سكان ساو باولو طابع الفظاظة والرعونة. ولكن كل ذلك هو جزء من الكبرياء الناجمة عن الإحساس بأن مدينتهم - وليس ريو دي جانيرو الواقعة على بعد 260ميلاً إلى الشرق - هي زعيمة المدن البرزايلية. ويقول نورمان غال مدير معهد بروديل: "الريو في حالة نعاس امام ساو باولو فهي تتطلع إلى الأمام ونشيطة جداً".
وتتراوح اللهجات المحلية في ساوباولو بين النغمية والأرستقراطية إلى الفلاحية التي ينطق بها المهاجرون البرتغاليون الذين يملأون الشوارع. أما ضجيج الحافلات والدراجات النارية فيصم الآذان في البولفارات الرئيسية التي تتسم بالنظافة بفضل عشرة آلاف عامل تنظيف يعملون فيها بصورة متواصلة - ويتميزون ببذلات العمل الصفراء. أما الأسواق المكشوفة على جانب الطرق فغارقة في روائح الفاكهة الناضجة.
واستقبلت ساوباولو بين العامين 1870و 1930حوالي مليوني مهاجر نصفهم من ايطاليا والآخرون من سوريا ولبنان واليابان.
هذا الخليط السكاني يضفي على سان باولو نكهتها الكوزموبوليتية المتمثلة بالمطاعم والملاهي ذات الأسماء الإيطالية واليابانية وغيرها، في كل الشوارع.
وليس للمدينة خريطة أساسية، وهي تبدو من الجو شبكة غيرمنسقة من الشوارع والطرقات والأبنية غير المتناسقة والمتوائمة. وهذا نموذج لضعف المؤسسات هناك والمجتمعات تفعل ما تشاء.
وتمثل الجريمة إحدى أسوأ حالات فشل النظام السياسي الذي يغلب عليه تداخل الصلاحيات والفساد والتوزيع الضريبي الذي لا يترك في جعبة ساو باولو - أغنى مدن البرازيل - أكثر من عشرة في المائة من الإيرادات التي تجمعها.
ويقول المعلق الصحافي سيزار غيوبي: "نحن مديرو فوضى مهرة. عندما أكون في ميلان أو باريس يمتلكني الضجر خلال يومين".
وساوباولو ضعيفة أيضاً على صعيد الرموز الثقافية التقليدية، ولكنها تعوض عن ذلك بالاستيراد - معارض لوحات رودان، وجنود الفخار الصينيون، ومعرض لوحات بيكاسو في شباط الماضي، وحفلات موسيقية لبافاروتي ومادونا والرولينغ ستونز.
ثم هناك الهندسة المعمارية - فندق يونيك الذي صممه المهندس البرازيلي روي اوهتاكي، وبناية كوبام الضخمة بشكل حرف (S) وقاعة أوكا المقببة للمعارض وكلاهما من تصميم أوسكار نيماير مصمم عاصمة البلاد المستقبلية برازيلياً.
وأسبوع أزياء ساوباولو هو من المناسبات الثابتة على رزنامة الأناقة العالمية، وحياتها الليلية لا تقل حيوية عن نيويورك وباريس.
ومع أن ساوباولو قد تكون وصلت إلى ذروة طاقتها السكانية، إلا أنها لا تزال تنمو على صعيد التقدم والقوة. وتشهد المدينة صعوداً نوعياً، وسكانها باتوا أحسن تعليماً وأكثر ثقة بالنفس.
ويضيف غيوبي قائلاً: "كتب على ساو باولو أن تصبح واحدة من المدن الرئيسية على كوكبنا الأرضي وتقدم حيوية وزخم وانطلاقة البرازيليين إلى بقية العالم".
